وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ـ بعد عشرة أيام من التأخير، وأعطال فنية، وفقدان بعض السفن، ها نحن أخيرا ننطلق. قد يظن البعض أن هذه مجرد تفاصيل عابرة، لكنها في الحقيقة تعكس حجم التحديات التي تواجه أي تحرك مستقل يهدف إلى كسر قيود الاحتلال.
فالسفن ليست ممولة من حكومات ولا محمية بجيوش، بل جُمعت تكلفتها من تبرعات الشعوب البسيطة، من عائلات ونقابات وجمعيات مدنية تؤمن بأن غزة يجب ألا تُترك وحدها.
أسطول الصمود ليس مجرد وسيلة لنقل المساعدات، بل هو رسالة للعالم بأن الشعوب قادرة على التحرك حين تصمت الحكومات. كل سفينة هنا تحمل تضحيات وأحلام من ساهموا فيها
اليوم ونحن نبحر في ميناء "سارغوسا" بجزيرة صقلية، ستنضم إلينا السفن من إيطاليا، واليونان، وسنواصل الإبحار بلا توقف نحو غزة.
هنا، على متن هذه السفن، يلتقي ناشطون من دول شتى. نتحدث بلغات مختلفة، ننتمي إلى ثقافات وأديان وأعمار متباينة، لكن ما يجمعنا هدف واحد: الوصول إلى غزة.
بعضنا جاء من أقصى الشمال الأوروبي، وبعضنا من أميركا اللاتينية، ومن الولايات المتحدة الأميركية، وهناك من جاء من قلب العالم العربي. لكننا جميعا نرى في غزة مرآة للإنسانية الجريحة، وجرحا لا يجوز أن يبقى مفتوحا.
عندما أنظر إلى وجوه زملائي في الرحلة، أرى مزيجا من الإصرار والأمل والخوف في آن واحد. نحن ندرك أننا نبحر نحو منطقة يسيطر عليها جيش الاحتلال، ونعرف أن الخطر حقيقي. لكننا أيضا نعرف أن الصمت أخطر، وأن موت الضمير أقسى من أي تهديد عسكري.
الحصار على غزة ليس مجرد قيود على الغذاء والدواء والكهرباء، بل هو جريمة حرب مستمرة، جريمة يشارك فيها الاحتلال بدعمه الأميركي المباشر، ويغطيها الصمت العربي الرسمي.
أطفال غزة يكبرون وهم لا يعرفون طعما للحرية، وأمهات غزة يودّعن أبناءهن بين القصف والجوع، ومستشفيات غزة تعمل بلا دواء ولا كهرباء. هذه ليست تفاصيل عابرة، بل حياة يومية لأكثر من مليونَي إنسان.
أسطول الصمود ليس مجرد وسيلة لنقل المساعدات، بل هو رسالة للعالم بأن الشعوب قادرة على التحرك حين تصمت الحكومات.
كل سفينة هنا تحمل تضحيات وأحلام من ساهموا فيها. في إيطاليا، في اليونان، في إسبانيا، وأيضا في بولندا، وأيرلندا، وتركيا وحتى في دول بعيدة، تبرع الناس من جيوبهم القليلة ليشتروا لنا قوارب نبحر بها نحو غزة.
إنها ليست مواجهة عسكرية، لكنها مواجهة رمزية مع تحالف الصمت والقتل. وكما أشعلت قوافل سابقة التضامن الدولي وأحرجت الحكومات المتواطئة، نأمل أن يفعل هذا الأسطول الشيء نفسه.
وأنا أكتب هذه السطور من على سطح السفينة، يلفني شعور بالمسؤولية والأمل. قد يمنعنا الاحتلال من الوصول، قد يعتقلنا أو يقتلنا، لكن الرسالة وصلت قبل أن نصل: غزة ليست وحدها
جسر القلوب نحو غزة
في كل ميناء توقفنا فيه، اقترب منا الناس وسألونا عن غزة. رأيت الدموع في عيون أمهات أوروبيات وهن يسلمن لنا أكياس دواء أو بطانيات صغيرة لأطفال غزة. سمعت أطفالا يسألون: "هل سيصل هذا الدواء إلى أطفال مثلنا؟". تلك اللحظات البسيطة تختصر معنى هذه الرحلة. إنها ليست فقط رحلة بحرية، بل جسرا إنسانيا يربط قلوب الناس بغزة.
لن ينجح الأسطول وحده في كسر الحصار، لكنه خطوة على الطريق. ما نحتاجه هو:
حملة إعلامية عربية ودولية قوية تركز على معاناة الأطفال والمستشفيات.
ضغط شعبي عبر النقابات والجمعيات والمبادرات الشبابية لفرض مشاركة الموانئ العربية.
تنسيق مع منظمات إنسانية وقانونية دولية لتقليل ذرائع الحكومات.
التأكيد أن ما نقوم به ليس مجرد نقل مساعدات، بل كسر حصار غزة غير القانوني وغير الأخلاقي وإعادة غزة إلى واجهة الاهتمام العالمي.
المطالبة بوقف حرب الإبادة الشاملة فورا، وحصار الكيان الصهيوني وقطع العلاقات معه.
أسطول الصمود ليس مجرد سفن تمخر عباب البحر، بل هو شهادة على أن الشعوب لا تموت، وأن غزة ستظل حية في قلوبنا حتى تنكسر جدران الحصار
وأنا أكتب هذه السطور من على سطح السفينة، يلفني شعور بالمسؤولية والأمل. قد يمنعنا الاحتلال من الوصول، قد يعتقلنا أو يقتلنا، لكن الرسالة وصلت قبل أن نصل: غزة ليست وحدها، والشعوب قادرة على رفع صوتها حين تخذلها الحكومات.
إنني أبحر إلى غزة لا كمسافر ولا كناشط فقط، بل كإنسان يرى في كل طفل محروم من الدواء ابنه، وفي كل أم تبكي على جثمان ابنها أخته، وفي كل شيخ يُهدم بيته أباه. هذه ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، إنها قضية كل إنسان يؤمن بالحرية والعدالة.
أسطول الصمود ليس مجرد سفن تمخر عباب البحر، بل هو شهادة على أن الشعوب لا تموت، وأن غزة ستظل حية في قلوبنا حتى تنكسر جدران الحصار.
غزة، إنك لستِ وحيدة.
تعليقك